وأما الاختلاف في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد الجهني, وغيلان الدمشقي، ... في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر ... ) (?)، فتبرأ ابن عمر (?) وابن عباس (?) وغيرهما ممن يقول بهذه المقالة. ثم حدثت بدعة الإرجاء، ثم حدثت بدعة الجهم بن صفوان ببلاد المشرق, فعظمت الفتنة به، فإنه نفى أن يكون لله صفة، وأورد على أهل الإسلام شكوكاً أثرت في الملة الإسلامية آثاراً قبيحة تولد منها بلاء كبير.
وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء، كمسلك فكري، بنت هذه الفرقة مذهبها على الجدل، واستعانت في ذلك بما وجدته من منطق اليونان وفلسفتها لتعزيز آرائها، وغيروا كثيراً من مفاهيم العقيدة، وأصلوا لبدعتهم أصولاً توافق عقولهم وأهواءهم.
ثم تطورت هذه المذاهب السياسية والفكرية وتشعبت حتى خرجت بعض هذه الفرق عن دائرة الإسلام، كما هو معلوم.
بداية الانحراف الشركي في هذه الأمة في الربوبية بالتعطيل:
بعد استعراض أقوال العلماء في كيفية انحراف عقيدة هذه الأمة يحسن بنا أن نتعرف على بداية الانحراف الشركي في الربوبية بالتعطيل: سواء كان في أسماء الله أو صفاته أو أفعاله.
ولعل أول شرك منظم في هذه الأمة في هذا الجانب – على ما نص عليه العلماء – هو شرك القدرية (?) الذين أنكروا القدر، فأشركوا في الربوبية بتعطيل صفات الله عز وجل وأفعاله. فإن إنكار القدر يتضمن إنكار كثير من الصفات والأفعال، كما أنهم أثبتوا خالقين.
ولهذا قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: (هذا أول شرك في هذه الأمة) (?).
وقال ابن عمر –رضي الله عنهما- فيهم: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر) (?).
وأول من عرف بذلك رجل مجوسي يقال له: سيسويه، من الأساورة، وإن كان قد اشتهر أن أول من قال به معبد الجهني (?).
ثم ظهر شرك التعطيل في أسماء الله وصفاته، بأنه ليس لله أسماؤه الحسنى، وأنه لا يوصف بشيء مما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يحب أحداً من عباده، ولا يتكلم وليس له يد ولا وجه، وكان أول من عرف بذلك رجل يقال له: الجعد بن درهم.