قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث: (فالصواب أنها فطرة الإسلام وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172]، وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة ... وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال: ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟)) (?) بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ) (?)
وقال ابن القيم: (فجمع عليه الصلاة والسلام بين الأمرين، تغيير الفطرة بالتهويد والتنصير، وتغيير الخلقة بالجدع، وهما الأمران اللذان أخبر إبليس أنه لابد أن يغيرهما، فغير فطرة الله بالكفر وهو تغيير الخلقة التي خلقوا عليها، وغير الصورة بالجدع والبتك، فغير الفطرة إلى الشرك، والخلقة إلى البتك والقطع، فهذا تغيير خلقة الروح، وهذا تغيير خلقة الصورة) (?) ويقول كذلك: (فالقلوب مفطورة على حب إلهها وفاطرها وتأليهه، فصرف ذلك التأله والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة) (?).
ومن هذا يتبين لنا أن الشرك لم يكن أصلاً في بني آدم، بل كان آدم ومن جاء بعده من ذريته على التوحيد إلى أن وقع الشرك.
فإن هذه الأدلة تنص على أن بني آدم عبدوا الله فترة من الزمن، وهي عشرة قرون كما يذكره ابن عباس - رضي الله عنهما- (?) ثم انحرف من انحرف عن هذا المنهج القويم، فبعث الله إليهم الرسل ليردوهم إلى التوحيد.
وهناك رواية أخرى تبين لنا كيف بدأ وقوع بني آدم في الشرك، فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في معنى قول الله عز وجل: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23] قال: ((هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت)) (?) فهذا كان مبدأ وقوع بني آدم في الشرك وانحرافهم عن توحيد الله عز وجل. الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا 1/ 181