والحديث عن "إليوت" وشغف القوم به، يفضى إلى الحديث عن كائنه أخرى، وهي إفراط معلمي الأدب في دراسة الأجناس الأدبية الغربية، ودراسة الشعراء والأدباء الذين كتبوا بغير اللسان العربي، وهو جهد ضائع مهدر، استفرغ فيه أدباؤنا وسعهم وطاقتهم فيما لا يجدي نفعاً، لا في أدبنا، ولا في أدب الغرب، ولا يذهبن بك الوهم فتظن أن إنجليزيا يلتمس تعريفاً بشكسبير أو تحليلاً لأدبه عن كاتب عربي استهلك وقته وعمره في دراسته. يقول شيخنا محمود شاكر: "رأيت قط رجلاً واحد من غير الإنجليز أو الألمان مثلاً، مهما بلغ من العلم والمعرفة كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية وخصائص لغتها، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية، وفي حياة المجتمع الإنجليزي، يدين له علماء الإنجليزي بالطاعة والتسليم؟ (?) .

نعم، شغلنا بأدب الغرب وفكر الغرب شغلاً تاماً، حجزنا عن النظر في موروثنا الضخم الذي أبدعته وحملته أجيال وفية، وعلى امتداد أربعة عشر قرناً من الزمان، فكان حالنا في ذلك كالذي قاله إبراهيم بن هرمة:

كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا

وكالذي قاله ابن جذل الطعان:

كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا

ومثله قول العديل بن الفرخ العجلي:

كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضلال عن القصد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015