الحقيقة الأولى: "أنه لا يغني كتاب عن كتاب". فقد شاع في كتابات بعض الدارسين المحدثين، أن كتب التراث ذات الموضوع الواحد، تتشابه فيما بينها، وأن غاية اللاحق أن يدخل على ما تركه السابق، يدور حوله، ويردد مباحثه وقضاياه. ثم أفضى ذلك الزعم إلى دعوة صاخبة، تنادى بغربلة التراث وتصفيته؛ بالإبقاء على النافع المفيد، وترك ما عداه مستقرا في المتاحف كمومياء الفراعنة، يذكر بتطور الخطوط، وقواعد الرسم، وتاريخ صناعة الورق.
فإذا قلت لهذا الزاعم: ماذا نأخذ وماذا ندع؟ حار وأبلس (?) ، واعتصم بسراديب التفكير الموضوعي، ومناهج البحث العلمي، وأشباه ذلك من تلك التهاويل الفارغة من الحقيقة. فإذا اضطررته أضيق الطرق، وأخذته إلى فن واحد من فنون التراث، ونثرت أمامه مصنفات ذلك الفن، ثم طلبت إليه أن يختار ما يستحق أن يبقى عليه، وما هو جدير بأ، ينحى، شغب ونازع؛ لأنه لا يملك أدوات الحكم على هذا الموروث؛ لبعده عنده، وخفائه عليه، ولم يجد بدا من العودة كرة أخرى إلى التكفير الموضوعي، والبحث العلمي، يسلبهما منك، ملقياً بك في ردغة (?) الحبال، وظلمات الجهل، وبيداء التخلف.