وقد كان هذا من خصائصه- صلوات الله وسلامه عليه- أن يكلم كل ذى لغة بليغة بلغته على اختلاف لغة العرب وتركيب ألفاظها وأساليب كلمها، وكان أحدهم لا يتجاوز لغته، وإن سمع لغة غيره فكالعجمية يسمعها العربى، وما ذلك منه- صلى الله عليه وسلم- إلا بقوة إلهية وموهبة ربانية، لأنه بعث إلى الكافة طرا، وإلى الخليقة سودا وحمرا، والكلام باللسان يقع فى غاية البيان، ولا يوجد غالبا متكلم بغير لغته إلا قاصرا فى الترجمة نازلا عن صاحب الأصالة فى تلك اللغة، إلا نبينا وسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، فإنه زاده الله تكريما وشرفا تكلم فى كل لغة من لغة العرب أفصح وأنصع بلغاتها منها بلغة نفسها، وجدير به ذلك فقد أوتى فى سائر القوى البشرية المحمودة زيادة ومزية على الناس، مع اختلاف الأصناف والأجناس ما لا يضبطه قياس ولا يدخل فى تحقيقه إلباس. انتهى.
وأما صوته الشريف، فعن أنس قال: ما بعث الله نبيّا قط إلا بعثه حسن الوجه حسن الصوت، حتى بعث الله نبيكم- صلى الله عليه وسلم- فبعثه حسن الوجه حسن الصوت، رواه ابن عساكر، وروى نحوه من حديث على بن أبى طالب، وروى أنه كان إذا تكلم رؤى كالنور يخرج من ثناياه (?) . وقد كان صوته- صلى الله عليه وسلم- يبلغ حيث لا يبلغه صوت غيره. فعن البراء قال: «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أسمع العواتق فى خدورهن» (?) رواه البيهقى.
وقالت عائشة- رضى الله عنها- جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة على المنبر فقال للناس: «اجلسوا» ، فسمعه عبد الله بن رواحة وهو فى بنى غنم فجلس فى مكانه (?) رواه أبو نعيم.
وقال عبد الرحمن بن معاذ التيمى: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى، ففتحت أسماعنا- وفى لفظ ففتح الله أسماعنا- حتى إن كنا لنسمع ما يقول ونحن فى منازلنا. رواه ابن سعد (?) .