ففصاحته- صلى الله عليه وسلم- إلى الحد الخارق للعادة، البالغ نهاية المزية والزيادة التى تصدع القلوب قبل الأذهان، وتقرع الجوانح قبل الآذان، مما يروق ويفوق، ويثبت له على سائر البشر الحقوق التى لا تقابل بالعقوق، فهو صاحب جوامع الكلم وبدائع الحكم، وقوارع الزجر وقواطع الأمر، والأمثال السائرة، والغرر السائلة، والدرر المنثورة والدرارى المأثورة والقضايا المحكمة، والوصايا المبرمة، والمواعظ التى هى على القلوب محكمة، والحجج التى هى للد الخصماء مفحمة ملجمة.
وقليل هذا الوصف فى حقه- صلى الله عليه وسلم- وزاده فضلا وشرفا لديه، وقد روى الحاكم فى مستدركه وصححه من حديث ابن عباس: إن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد- صلى الله عليه وسلم- (?) وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته إلى شاهد، ولا ينكرها موافق ولا معاند، وقد جمع الناس من كلامه الفرد الموجز البديع الذى لم يسبق إليه دواوين، وفى كتاب الشفاء للقاضى عياض من ذلك ما يشفى العليل.
كقوله- صلى الله عليه وسلم-: «المرء مع من أحب» (?) .
وقوله: «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين» (?) .
وقوله: «السعيد من وعظ بغيره» (?) . ومما لم يذكره القاضى- رحمه الله-.