صلى الله عليه وسلم، لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، فأهدت إليه يهودية شاة مصلية، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هو وأصحابه، فقالت: إنى مسمومة، فقال لأصحابه: «ارفعوا أيديكم، فإنها قد أخبرتنى أنها مسمومة» قال: فرفعوا أيديهم، قال: فمات بشر بن البراء، فأرسل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «ما حملك على ما صنعت» فقالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيّا لم يضرك وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، قال: فأمر بها فقتلت. اه.
بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه فقال:
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (?) .
ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا، فلقد وطىء ظهرك- تروى كتب السيرة أن عقبة بن أبى معيط وطأ على رقبته الشريفة وهو ساجد عند الكعبة، حتى كادت عيناه تبرزان- وأدمى وجهك، وكسرت رباعيتك، فأبيت أن تقول إلا خيرا، فقلت:
«اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» .
لقد دمى وجهه- صلوات الله وسلامه عليه- وكسرت رباعيته فى غزوة أحد. روى ذلك البخارى ومسلم. أما حديث:
«اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» فقد رواه البيهقى فى دلائل النبوة.
بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لقد اتبعك فى قلة سنك، وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا فى كثرة سنه، وطول عمره، ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل.
بأبى أنت وأمى يا رسول الله: لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت إلينا، ولو لم تواكل إلا كفؤا لك ما واكلتنا، فقد والله جالستنا، ونكحت إلينا، وواكلتنا، ولبست الصوف، وركبت الحمار، وأردفت خلفك، ووضعت طعامك على الأرض تواضعا منك صلى الله عليك وسلم.
هذه صورة.
ومن الطريف أن نذكر صورة أخرى استنتاجية، استنتجها رجل لم يكن يعرف الرسول- صلوات الله وسلامه عليه-، ولكنه رجل واسع الأفق رحب الخيال دقيق التفكير.
وقد اتخذ الاحتياط اللازم حتى لا يشوب الصورة أى مطعن، هذا الرجل هو: (هرقل) .
أتاه كتاب رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه-، يدعوه إلى الإسلام فلم يهمل الكتاب ولم يمزقه، وإنما قرأه فى عناية وانتباه، ثم أراد أن يكون صورة صحيحة عن صاحب الخطاب، فسأل عما إذا كان بالمدينة بعض العرب الذين يعرفون الرسول فقيل له: إن بالمدينة تجارا من مكة يعرفون محمدا باعتباره من مواطنيهم فأمر بإحضارهم وكان منهم أبو سفيان.
وسأل هرقل عن أقربهم نسبا إلى الرسول، فكان أبا سفيان فقربه منه وأدناه وقال لهم:
إنى سائله عن أمور فإن كذبنى فكذبوه.
يقول أبو سفيان، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا على كذبا لكذبت عليه.
وسنترك المقدمات والأسئلة الأولى: لأنها واضحة من النتائج التى انتهى إليها هرقل: