اعلم أنه لا سبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه، أو قطرة مما أفاضه الله تعالى عليه من سحائب عوارفه، وأنت إذا تأملت ما منحه الله تعالى به من جوامع الكلم، وخصه به من بدائع الحكم، وحسن سيره، وحكم حديثه، وإنبائه بأنباء القرون السالفة والأمم البائدة، والشرائع الدائرة، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى مع الخضر، ويوسف مع إخوته، وأصحاب الكهف، وذى القرنين، وأشباه ذلك، وبدء الخلق، وأخبار الدار الآخرة، وما فى التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وإظهار أحوال الأنبياء وأممهم، وأسرار علومهم ومستودعات سيرهم، وإعلامهم بمكتوم شرائعهم، ومضمنات كتبهم وغير ذلك مما صدقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، بل أذعنوا لذلك فضلا عما أفاضه من العلم ومحاسن الآداب والشيم (?) ، والمواعظ والحكم، والتنبيه على طرق الحجج العقليات، والرد على فرق الأمم ببراهين الأدلة الواضحات، والإشارة إلى فنون العلوم التى اتخذ أهلها كلامه فيها قدوة، وإشاراته حجة، كاللغة والمعانى والعربية، وقوانين الأحكام الشرعية والسياسات العقلية، ومعارف عوارف الحقائق القلبية، إلى غير ذلك من ضروب العلوم، وفنون المعارف الشاملة لمصالح أمته، كالطب والعبارة (?) والحساب وغير ذلك مما لا يعد ولا يحد ... قضيت بإن مجال هذا الباب فى حقه- صلى الله عليه وسلم- ممتد، تنقطع دون نفاده الأدلاء، وإن بحر علمه ومعارفه زاخر لا تكدره الدلاء. وهذا المقصد- أعزك الله- يشتمل على ثلاثة فصول: