والواقع أن الصورة الكاملة عن رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- يلزم لها أن يصل الإنسان إلى مستواه- صلوات الله وسلامه عليه- أو إلى ما يقرب من مستواه وذلك لا يتأتى.
بيد أنه إذا استحال ذلك فإنه من الميسور أن نورد صورتين، إحداهما: جاهلية، والآخرى إسلامية. والصورتان لسيدنا عمر رضى الله عنه.
أما الصورة الأولى: فإنها «يتيم أبى طالب» كان سيدنا عمر يراها قبل أن يهديه الله للإسلام، وأراد سيدنا عمر أن يقتل «يتيم أبى طالب» حتى لا تتفرق كلمة القرشيين بسببه.
ولكن دعاء رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه-: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمرو بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» كانت قد استجيبت لخير سيدنا عمر فهداه الله للإسلام، ولازم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- فناله من بركاته ومن خيره ما هيأه لأن يكون الخليفة الثانى للأمة الإسلامية أجمع، وأن يعز الله الإسلام به فى حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه-، وبعد وفاته.
إن سيدنا عمر هذا الذى لم يكن للشيطان عليه من سبيل، والذى كان إذا سلك طريقا سلك الشيطان طريقا آخر: خشية منه ورهبة، والذى نزل القرآن أحيانا مصدقا لما رآه، إن سيدنا عمر صاحب: «يا سارية الجبل» يرسم لنا صورة إسلامية لسيده وحبيبه وصديقه ونبيه ورسوله- صلوات الله وسلامه عليه-.
ولكن هذه الصورة: هى صورة سيدنا عمر، إنها تتناسب مع مستوى سيدنا عمر وهو من غير شك عظيم.
ماذا كان يمكن أن يقول سيدنا أبو بكر- رضوان الله عليه-؟ وماذا كان يمكن أن يقول سيدنا على رضى الله عنه؟ وماذا كان يمكن أن يكون وصف سيدنا جبريل لو وصفه؟.
إن الله سبحانه وتعالى يقول عنه- صلوات الله وسلامه عليه-:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (?) .
وما كانت كلمة السيدة عائشة- رضوان الله عليها-: «كان خلقه القرآن» إلا تفسيرا لما أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة، أيمكنك أن تتصور المدى الذى تبلغه الآية الكريمة، وتفسير السيدة عائشة لها؟ أيتأتى لك أن تحيط بالقرآن، أستغفر الله وأتوب إليه.
ولنعد إلى الصورة التى حاول رسمها صاحب: «يا سارية الجبل» ، لنعد إليها لنثبتها شارحين لبعض حوادثها، موضحين لبعض أنبائها، وسنجعل الإيضاح بين أقواس.
بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع سيدنا عمر يبكى ويقول:
«بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لقد كان جذع تخطب الناس عليه، فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم، فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن، فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتها» . يروى البخارى ومسلم، وكتب السنة كلها تقريبا وكتب السيرة (حادث حنين الجذع) بعدة روايات، وننقل هنا إحدى روايات البخارى: