الموافقات (صفحة 828)

وَإِنَّمَا أَتَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الْأَنْفَالِ: 32] مِنْ غَيْرِ إِتْيَانٍ بِلَفْظِ الرَّبِّ"؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ1 بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا دَعَوْا بِهِ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُنَافِيهِ، بِخِلَافِ الْحِكَايَةِ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاء} الآية: [المائدة: 114] ، فَإِنَّ لَفْظَ الرَّبِّ فِيهَا مُنَاسِبٌ جِدًّا.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّهُ أَتَى فِيهِ الْكِنَايَةُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يستحيى مِنَ التَّصْرِيحِ بِهَا، كَمَا كَنَّى عَنِ الْجِمَاعِ بِاللِّبَاسِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَعَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِالْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ، وَكَمَا قَالَ فِي نَحْوِهِ: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَام} 2 [الْمَائِدَةِ: 75] فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ أَدَبًا لَنَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي بِحُكْمِ التَّبَعِ لَا بِالْأَصْلِ.

وَالرَّابِعُ:

أَنَّهُ أَتَى فِيهِ بِالِالْتِفَاتِ الَّذِي يُنْبِئُ فِي الْقُرْآنِ عَنْ أَدَبِ الْإِقْبَالِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَبْدِ إِذَا كَانَ مُقْتَضَى الْحَالِ يَسْتَدْعِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَةِ: 2-4] .

ثُمَّ قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] .

وبالعكس إذا اقتصاه الْحَالُ أَيْضًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة} [يُونُسَ: 22] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015