أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ لِلْعَرَبِ أَحْكَامٌ1 عِنْدِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ، كَمَا قَالُوا فِي الْقِرَاضِ، وَتَقْدِيرِ الدِّيَةِ وَضَرْبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْقَافَةِ2، وَالْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْحُكْمِ فِي الْخُنْثَى، وَتَوْرِيثِ الْوَلَدِ لِلذِّكْرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْقَسَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ.
ثُمَّ نَقُولُ: لَمْ يُكْتَفَ بِذَلِكَ حَتَّى خُوطِبُوا3 بِدَلَائِلِ التَّوْحِيدِ فِيمَا يَعْرِفُونَ مِنْ سَمَاءٍ، وَأَرْضٍ، وَجِبَالٍ، وَسَحَابٍ، وَنَبَاتٍ وَبِدَلَائِلِ الْآخِرَةِ وَالنُّبُوَّةِ كَذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ الْبَاقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ شَرَائِعِ الأنْبياء شَيْءٌ مِنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبِيهِمْ، خُوطِبُوا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَدُعُوا إِلَيْهَا، وَأَنَّ مَا جاء به محمد صلى الله عليهوسلم هِيَ تِلْكَ بِعَيْنِهَا: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} [الْحَجِّ: 78] .
وَقَوْلِهِ: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا} الآية [آل عمران: 67] .
غَيْرَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا جُمْلَةً مِنْهُمْ، وَزَادُوا، وَاخْتَلَفُوا، فَجَاءَ تَقْوِيمُهَا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُخْبِرُوا بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا هُوَ لَدَيْهِمْ وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأُخْبِرُوا عَنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَأَصْنَافِهِ بِمَا هُوَ مَعْهُودٌ فِي تَنَعُّمَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، لَكِنْ مُبَرَّأٌ مِنَ الْغَوَائِلِ والآفات التي تلازم التنعم4 الدُّنْيَوِيَّ، كَقَوْلِهِ: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَةِ: 27-30] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
وبَيَّنَ مَنْ مَأْكُولَاتِ الْجَنَّةِ وَمَشْرُوبَاتِهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ، كَالْمَاءِ،