الموافقات (صفحة 732)

أَصْلُهَا الْإِبَاحَةَ بِإِطْلَاقٍ، وَأَنَّ الْمَضَارَّ لَيْسَ أَصْلُهَا الْمَنْعَ بِإِطْلَاقٍ، بَلِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ ضَرَرٌ مَا مُتَوَقَّعٌ، أَوْ نَفْعٌ مَا مُنْدَفِعٌ.

- وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَرَافِيَّ أَوْرَدَ إِشْكَالًا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبِرِينَ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، فَقَالَ:

"الْمُرَادُ بِالْمَصْلَحَةِ والمفسدة إن كان مسماها كَيْفَ كَانَا، فَمَا مِنْ مُبَاحٍ إِلَّا وَفِيهِ فِي الْغَالِبِ مَصَالِحُ وَمَفَاسِدُ، فَإِنَّ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ وَلُبْسَ اللَّيِّنَاتِ فِيهَا مَصَالِحُ الْأَجْسَادِ وَلَذَّاتُ النُّفُوسِ، وَآلَامٌ وَمَفَاسِدُ فِي تَحْصِيلِهَا، وَكَسْبِهَا، وَتَنَاوُلِهَا، وَطَبْخِهَا، وَإِحْكَامِهَا، وَإِجَادَتِهَا بِالْمَضْغِ، وَتَلْوِيثِ الْأَيْدِي.... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ خُيِّرَ الْعَاقِلُ بَيْنَ وُجُودِهِ وَعَدِمِهِ لَاخْتَارَ عَدَمَهُ، فَمَنْ يُؤْثِرُ وَقِيدَ1 النِّيرَانِ وَمُلَابَسَةَ الدُّخَانِ وَغَيْرَ ذَلِكَ2؟ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى مُبَاحٌ أَلْبَتَّةَ.

وَإِنْ أَرَادُوا3 مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِهِمَا مَعَ أَنَّ مَرَاتِبَ الْخُصُوصِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّ الْعُدُولَ4 عَنْ أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الِاعْتِزَالِ، فَإِنَّهُ سَفَهٌ.

وَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا5: إِنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ تَوَعَّدَ الله على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015