الموافقات (صفحة 632)

وَقَالَ: أَنْفِقْهَا أَنْتَ؛ فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِلْآخِرَةِ1.

بَلْ كَانَ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَعَاذَ مِنْهَا وَمِنْ طَلَبِهَا، وَالتَّشَوُّفِ إِلَيْهَا، كَمَا يُحْكَى2 عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْعَادَاتِ، مِنْ حَيْثُ شَاهَدَ خُرُوجَ الْجَمِيعِ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْمِنَّةِ, وَوَارِدَةً مِنْ جِهَةِ مُجَرَّدِ الْإِنْعَامِ؛ فَالْعَادَةُ فِي نَظَرِ هَؤُلَاءِ خَوَارِقُ لِلْعَادَاتِ؛ فَكَيْفَ يَتَشَوَّفُ إِلَى خَارِقَةٍ، وَمِنْ3 بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ مِثْلُهَا، مَعَ أَنَّ مَا لَدَيْهِ مِنْهَا أَتَمُّ فِي تَحْقِيقِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الشَّوَاهِدِ، وَعَدُّوا مَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا مُسْتَدْرَجًا، مِنْ حَيْثُ كَانَتِ ابْتِلَاءً لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا آيَةً أَوْ نِعْمَةً.

حَكَى الْقُشَيْرِيُّ4 عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّرَفِيِّ؛ قَالَ: "كُنَّا مَعَ أَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَعَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى نَاحِيَةٍ؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا5: أَنَا عَطْشَانُ. فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ، فَإِذَا عَيْنُ مَاءٍ زُلَالٍ؛ فَقَالَ الْفَتَى: أُحِبُّ أَنْ أَشْرَبَهُ بِقَدَحٍ6. فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ؛ فَنَاوَلَهُ قَدَحًا مِنْ زُجَاجٍ أَبْيَضَ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُ، فَشَرِبَ وَسَقَانَا، وَمَا زَالَ الْقَدَحُ مَعَنَا إِلَى مَكَّةَ؛ فَقَالَ لِي أَبُو تُرَابٍ يَوْمًا: مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ؟ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يُؤْمِنُ بِهَا. فَقَالَ: مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا فَقَدْ كَفَرَ7، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْوَالِ. فَقُلْتُ: مَا أَعْرِفُ لَهُمْ قَوْلًا فيه. فقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015