الموافقات (صفحة 615)

مَحْظُورَيْنِ:

أَحَدُهُمَا:

مُخَالَفَتُهُ لِقَصْدِ الشَّارِعِ، كَانَتْ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ فِي وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ.

وَالثَّانِي:

سَدُّ أَبْوَابِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ، وَفَقْدُ الْمَخْرَجِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الشَّاقِّ، الَّذِي طَلَبَ الْخُرُوجَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُشْرَعْ لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا:

إِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ جَاءَ بِالشَّرِيعَةِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَكَانَتِ الْأُمُورُ الْمَشْرُوعَةُ ابْتِدَاءً قَدْ يَعُوقُ عَنْهَا عَوَائِقُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْمَشَاقِّ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمُعْتَادِ؛ شَرَعَ لَهُ أَيْضًا تَوَابِعَ وَتَكْمِيلَاتٍ وَمَخَارِجَ، بِهَا يَنْزَاحُ عَنِ الْمُكَلَّفِ تِلْكَ الْمَشَقَّاتُ، حَتَّى يَصِيرَ التَّكْلِيفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عَادِيًّا وَمُتَيَسِّرًا، وَلَوْلَا أَنَّهَا كَذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْأُمُورِ الِابْتِدَائِيَّةِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي التَّكْلِيفَاتِ أَدْرَكَ هَذَا بِأَيْسَرِ تَأْمُّلٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْمُكَلَّفُ فِي طَلَبِ التَّخْفِيفِ مَأْمُورٌ أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ مَا يُطْلَبُ مِنَ التَّخْفِيفِ حَاصِلٌ فِيهِ حَالًا وَمَآلًا عَلَى الْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ؛ لَمْ يَكُنْ مَا طَلَبَ مِنَ التَّخْفِيفِ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا مَظْنُونًا، لَا حَالًا وَلَا مَآلًا، لَا عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَا عَلَى التَّفْصِيلِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَكَانَ مَشْرُوعًا أَيْضًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ؛ فَثَبَتَ أَنَّ طَالِبَ التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الشَّرْعِ لَا مَخْرَجَ لَهُ.

وَالثَّانِي:

إِنَّ هَذَا الطَّالِبَ إِذَا طَلَبَ التَّخْفِيفَ مِنَ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؛ فَيَكْفِيهِ فِي حُصُولِ التَّخْفِيفِ طَلَبُهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَالْقَصْدُ إِلَى ذَلِكَ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ، كَمَا أَنَّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ؛ يَكْفِيهِ فِي عَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ شُؤْمُ قَصْدِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاقِ: 2، 3] ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ لَا يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015