الموافقات (صفحة 569)

الشَّدَائِدَ، وَحَمَلُوا أَعْبَاءَ الْمَشَقَّاتِ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ إِتْلَافِ مُهَجِهِمْ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَطَالَتْ عَلَيْهِمُ الْآمَادُ وَهُمْ عَلَى أَوَّلِ أَعْمَالِهِمْ، حِرْصًا عَلَيْهَا وَاغْتِنَامًا لَهَا، طَمَعًا فِي رِضَى الْمَحْبُوبِينَ، وَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ تِلْكَ الشَّدَائِدَ وَالْمَشَاقَّ سَهْلَةٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ لَذَّةٌ لَهُمْ وَنَعِيمٌ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَأَلَمٌ أَلِيمٌ؛ فَهَذَا مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَشَاقِّ تَخْتَلِفُ بِالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ، وَذَلِكَ يَقْضِي بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ.

وَالثَّالِثُ:

مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنَ الشَّرْعِ؛ كَالَّذِي جَاءَ فِي وِصَالِ الصِّيَامِ، وَقَطْعِ الْأَزْمَانِ فِي الْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالرِّفْقِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، ثُمَّ فَعَلَهُ1 مِنْ بَعْدُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِلْمًا بِأَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ وَهُوَ الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِمْ؛ وَلِذَلِكَ أَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مَعَ وِصَالِهِمُ الصِّيَامَ لَا يَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَنْ حوائجهم، ولا يقطهم عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِهِمْ؛ فَلَا حَرَجَ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا الْحَرَجُ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ضَرُورَاتِهِ وَحَاجَاتِهِ2، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ إِضَافِيًّا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا الْوَجْهُ اسْتِدْلَالٌ بِجِنْسِ الْمَشَقَّةِ3 عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا، وَهُوَ غير منتهض إلا أن يجعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015