الموافقات (صفحة 568)

رَجُلٍ جَلْدٍ ضَرِيَ عَلَى قَطْعِ الْمَهَامِهِ1 حَتَّى صَارَ لَهُ ذَلِكَ عَادَةً لَا يَحْرَجُ بِهَا وَلَا يَتَأَلَّمُ بِسَبَبِهَا، يَقْوَى عَلَى عِبَادَاتِهِ، وَعَلَى أَدَائِهَا عَلَى كَمَالِهَا وَفِي أَوْقَاتِهَا، وَرَبُّ رَجُلٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْجُبْنِ وَالشَّجَاعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى ضَبْطِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَلَيْسَ لِلْمَشَقَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّخْفِيفَاتِ ضَابِطٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا حَدٌّ مَحْدُودٌ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ أَقَامَ الشَّرْعُ فِي جُمْلَةٍ مِنْهَا السَّبَبَ مَقَامَ الْعِلَّةِ؛ فَاعْتَبَرَ السَّفَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَظَانِّ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ، وَتَرَكَ كُلَّ مُكَلَّفٍ عَلَى مَا يَجِدُ، أَيْ: إِنْ كَانَ قَصْرٌ أَوْ فِطْرٌ؛ فَفِي السَّفَرِ، وَتَرَكَ كَثِيرًا مِنْهَا مَوْكُولًا إِلَى الِاجْتِهَادِ كَالْمَرَضِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقْوَى فِي مَرَضِهِ عَلَى مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ الْآخَرُ؛ فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ مَشْرُوعَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَإِذًا؛ لَيْسَتْ أَسْبَابُ الرُّخَصِ بِدَاخِلَةٍ تَحْتَ قَانُونٍ أَصْلِيٍّ، وَلَا ضَابِطٍ مَأْخُوذٍ بِالْيَدِ، بَلْ هُوَ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُخَاطَبٍ فِي نَفْسِهِ، فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُضْطَرِّينَ مُعْتَادًا لِلصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ، وَلَا تَخْتَلُّ حَالُهُ بِسَبَبِهِ، كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ، وَكَمَا ذُكِرَ عَنِ الْأَوْلِيَاءِ؛ فَلَيْسَتْ إِبَاحَةُ الْمَيْتَةِ لَهُ عَلَى وِزَانِ مَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ2، هَذَا وَجْهٌ.

وَالثَّانِي:

إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْعَامِلِ الْمُكَلَّفِ حَامِلٌ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخِفَّ عَلَيْهِ مَا يَثْقُلُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ أخبار المحبين الذين صابروا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015