الموافقات (صفحة 450)

ومن ههنا إِذَا وَقَعَ خَلَلٌ فِي الْمُسَبَّبِ نَظَرَ الْفُقَهَاءُ إِلَى التَّسَبُّبِ: هَلْ كَانَ عَلَى تَمَامِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ عَلَى تَمَامِهِ؛ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ لَوْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَمَامِهِ؛ رَجَعَ اللَّوْمُ وَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أنهم يضمنون الطبيب والحجام والطباخ وغيره مِنَ الصُّنَّاعِ إِذَا ثَبَتَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَحَدِهِمْ؛ إِمَّا بِكَوْنِهِ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِصَانِعٍ، وَإِمَّا بِتَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي الْمُسَبَّبَاتِ1 أَوْ وُقُوعِهَا عَلَى غَيْرِ وِزَانِ التَّسَبُّبِ قَلِيلٌ؛ فَلَا يُؤَاخَذُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَبْذُلِ الْجَهْدَ؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ فِيهَا كَثِيرٌ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ.

فَمَنِ الْتَفَتَ إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عَلَامَةً عَلَى الْأَسْبَابِ فِي الصِّحَّةِ أَوِ الْفَسَادِ، لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى2؛ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى قَانُونٍ عَظِيمٍ يَضْبُطُ بِهِ جَرَيَانَ الْأَسْبَابِ عَلَى وِزَانِ مَا شُرِعَ، أَوْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا جُعِلَتِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ فِي الشَّرْعِ دَلِيلًا عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مُنْخَرِمًا؛ حُكِمَ عَلَى الْبَاطِنِ بِذَلِكَ، أَوْ مُسْتَقِيمًا؛ حُكِمَ عَلَى الْبَاطِنِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ أَصْلٌ عَامٌّ فِي الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْعَادِيَّاتِ وَالتَّجْرِيبِيَّاتِ، بَلِ الِالْتِفَاتُ إِلَيْهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَافِعٌ فِي جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ جِدًّا، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى صِحَّتِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَفَى بِذَلِكَ عُمْدَةً أَنَّهُ الْحَاكِمُ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَكُفْرِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ، وَعِصْيَانِ الْعَاصِي، وَعَدَالَةِ الْعَدْلِ، وَجَرْحَةِ الْمُجَرَّحِ، وَبِذَلِكَ تَنْعَقِدُ الْعُقُودُ وَتَرْتَبِطُ الْمَوَاثِيقُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، بَلْ هُوَ كلية التشريع، وعمدة التكليف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015