وَكَذَلِكَ فِي الْإِبَاحَةِ؟
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ، مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ قَدْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا جَاءَ بِخِلَافِهِ؛ فَعَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى حُكْمِ الِالْتِزَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ فِيهِ اسْتِلْزَامٌ، بِدَلِيلِ ظُهُورِهِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ؛ فَقَدْ يَكُونُ السَّبَبُ مباحا والمسبب مأمورا بِهِ؛ فَكَمَا نَقُولُ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ: إِنَّهُ مُبَاحٌ؛ نَقُولُ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا، وَالنَّفَقَةُ مِنْ مُسَبَّبَاتِ الْعَقْدِ الْمُبَاحِ، وَكَذَلِكَ حَفِظُ الْأَمْوَالِ الْمُتَمَلَّكَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُبَاحٍ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الذَّكَاةُ؛ فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ إِذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ؛ كَالْخِنْزِيرِ، وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَالْكَلْبِ, وَنَحْوِهَا، مَعَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا وَمَكْرُوهٌ فِي الْبَعْضِ.
هَذَا فِي الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْمَمْنُوعَةُ؛ فَأَمْرُهَا أَسْهَلُ1؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَحْرِيمِهَا أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ أَسْبَابًا لَمْ تَكُنْ2 لَهَا مُسَبَّبَاتٌ؛ فَبَقِيَ الْمُسَبَّبُ عَنْهَا عَلَى أَصْلِهَا مِنَ الْمَنْعِ، لَا أَنَّ3 الْمَنْعَ تَسَبَّبَ عَنْ وُقُوعِ أَسْبَابٍ مَمْنُوعَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ؛ فَالْأَصْلُ مطرد والقاعدة مستتبة، وبالله التوفيق.