الموافقات (صفحة 389)

وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 96] .

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزُّمَرِ: 62] .

وَإِنَّمَا جَعَلَ إِلَيْهِمُ الْعَمَلَ لِيُجَازَوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

وَاسْتِقْرَاءُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الشَّرِيعَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ دَخَلَتِ الْأَسْبَابُ الْمُكَلَّفُ بِهَا1 فِي مُقْتَضَى هَذَا الْعُمُومِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ، فَصَارَتِ الْأَسْبَابُ هِيَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا مَكَاسِبُ الْعِبَادِ دُونَ الْمُسَبَّبَاتِ، فَإِذًا لَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ وَخِطَابُهُ إِلَّا بِمُكْتَسَبٍ؛ فَخَرَجَتِ الْمُسَبَّبَاتُ2 عَنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَقْدُورِهِمْ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِهَا؛ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْأُصُولِ.

وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الِاسْتِلْزَامَ مَوْجُودٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ إِبَاحَةَ عُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا تَسْتَلْزِمُ إِبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ الْخَاصِّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا؟ وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهَا التَّحْرِيمُ؛ كَبَيْعِ الرِّبَا, وَالْغَرَرِ، وَالْجَهَالَةِ, اسْتَلْزَمَ تَحْرِيمَ الِانْتِفَاعِ الْمُسَبَّبِ عَنْهَا، وَكَمَا فِي التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا، وَالذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ إِذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ مُبَاحَةٌ، وَتَسْتَلْزِمُ إِبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ؛ كَانَتْ مَمْنُوعَةً، وَاسْتَلْزَمَتْ مَنْعَ الِانْتِفَاعِ ... إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ كَثِيرَةٍ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ وَالنَّهْيَ عَنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالْمُسَبَّبَاتِ وَلَا النهي عنها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015