الموافقات (صفحة 359)

اللَّفْظِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَارِضٌ وَمَا هُوَ فِيهِ، لَكِنْ بِحُكْمِ الْعَفْوِ عَنْ وَجْهِ الْمُنَافَاةِ.

وَإِلَى نَحْوِ هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ, عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ؛ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا" 1 وَحَدِيثُ الْحَجِّ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا، حِينَ قَالَ: "أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ "2؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ يُعْطِي أَنَّهُ لِلْأَبَدِ، فكَرِهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُؤَالَهُ، وَبَيَّنَ لَهُ عِلَّةَ تَرْكِ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا ... " 3 إِلَخْ يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ، ثُمَّ يُحَرَّمُ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ، إِنَّمَا يَأْتِي فِي الْغَالِبِ مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ وَجْهٍ4 فِيهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، مَعَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي الْحِلِّيَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُهُ فِي أَنْفُسِهَا، أَوْ دَخَلَهَا مَعْنًى يُخَيِّلُ الْخُرُوجَ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْأَصْلِ، وَنَحْوُ حَدِيثِ: " ذَرُونِي 5 مَا تَرَكْتُكُمْ" 6 وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي:

كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَدْرِيجٍ؛ كَالْخَمْرِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ؛ فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَزَمَانًا بَعْدَ ذَلِكَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015