الموافقات (صفحة 334)

الْخَلَّاتِ، وَهِيَ تَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَا ذَكَرْتَ، وَلَكِنِ الْحَاجَةُ الَّتِي تُسَدُّ بِالزَّكَاةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ1 عَلَى الْجُمْلَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤَدَّى اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ عَيْنُ الْحَاجَةِ؟ فَصَارَتْ كَالْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ؛ فَلِلشَّرْعِ قَصْدٌ فِي تَضْمِينِ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ مُتَعَيِّنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا مَالُ زَكَاةٍ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ بِأَيِّ مَالٍ ارْتَفَعَتْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ فَالْمَالُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِنَفْسِهِ فِيهَا، فَلَوِ ارْتَفَعَ الْعَارِضُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لَسَقَطَ الْوُجُوبُ، وَالزَّكَاةُ وَنَحْوُهَا لَا بُدَّ مِنْ بَذْلِهَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا غَيْرَ مُضْطَرٍّ إِلَيْهَا فِي الْوَقْتِ، وَلِذَلِكَ عُيِّنَتْ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي بَذْلِ الْمَالِ لِلْحَاجَةِ يَجْرِي حُكْمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ هَذَا الْقِسْمِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْجَهْلُ مَانِعًا مِنَ التَّرَتُّبِ فِي الذِّمَّةِ؛ لَكَانَ مَانِعًا مِنْ أَصْلِ التَّكْلِيفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ؛ إِذِ التَّكْلِيفُ بِالْمَجْهُولِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَلَوْ قِيلَ لِأَحَدٍ: أَنْفِقْ مِقْدَارًا لَا تَعْرِفُهُ, أَوْ صَلِّ صَلَوَاتٍ لَا تَدْرِي كَمْ هِيَ، أَوِ انْصَحْ مَنْ لَا تَدْرِيهِ وَلَا تُمَيِّزُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ أَبَدًا إِلَّا بِوَحْيٍ، وَإِذَا عُلِمَ بِالْوَحْيِ؛ صَارَ مَعْلُومًا لَا مَجْهُولًا، وَالتَّكْلِيفُ بِالْمَعْلُومِ صَحِيحٌ، هَذَا خُلْفٌ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْجَهْلَ الْمَانِعَ مِنْ أَصْلِ التَّكْلِيفِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِمُعَيَّنٍ عِنْدَ الشَّارِعِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، وَهُوَ يُرِيدُ الرَّقَبَةَ الْفُلَانِيَّةَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ فَهَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015