الموافقات (صفحة 2581)

التَّغَالِي وَالِانْحِرَافِ فِي الْمَذَاهِبِ، زَائِدًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبُ إِثَارَةِ1 الْأَحْقَادِ النَّاشِئَةِ عَنِ التَّقْبِيحِ الصَّادِرِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعَارِضِ2 التَّرْجِيحِ وَالْمُحَاجَّةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: "أَكْثَرُ الْجَهَالَةِ3 إِنَّمَا رَسَخَتْ فِي قُلُوبِ الْعَوَامِّ بِتَعَصُّبِ جَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ أَهْلِ الْحَقِّ أَظْهَرُوا الْحَقَّ، فِي مَعْرِضِ التَّحَدِّي وَالْإِدْلَاءِ4، وَنَظَرُوا إِلَى ضُعَفَاءِ الْخُصُومِ بِعَيْنِ التَّحْقِيرِ وَالِازْدِرَاءِ؛ فَثَارَتْ مِنْ بَوَاطِنِهِمْ دَوَاعِي الْمُعَانَدَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَرَسَخَتْ فِي قُلُوبِهِمُ الِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ، وَتَعَذَّرَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُتَلَطِّفِينَ مَحْوُهَا مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهَا، حَتَّى انْتَهَى التَّعَصُّبُ بِطَائِفَةٍ إِلَى أَنِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْحُرُوفَ الَّتِي نَطَقُوا بِهَا فِي الْحَالِ بَعْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا طُولَ الْعُمْرِ قَدِيمَةٌ، وَلَوْلَا اسْتِيلَاءُ الشَّيْطَانِ بِوَاسِطَةِ الْعِنَادِ وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَهْوَاءِ؛ لَمَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا الِاعْتِقَادِ مُسْتَقِرًّا5 فِي قَلْبٍ مَجْنُونٍ فَضْلًا عَنْ قَلْبٍ عَاقِلٍ".

هَذَا مَا قَالَ؛ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي تشهد له العوائد الجارية6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015