الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
تَنْبَنِي عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَهِيَ أَنَّ الْفُتْيَا لَا تَصِحُّ مِنْ مُخَالِفٍ1 لِمُقْتَضَى الْعِلْمِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ قَدْ نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَبَيَّنُوهُ؛ فَهُوَ فِي كَلَامِهِمْ مُجْمَلٌ يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ بِالتَّفْصِيلِ الْمُقَرَّرِ فِي أَقْسَامِ الْفُتْيَا.
فَأَمَّا فُتْيَاهُ بِالْقَوْلِ؛ فَإِذَا جَرَتْ أَقْوَالُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ، [فَلَا يُوثَقُ بِمَا يُفْتِي بِهِ؛ لِإِمْكَانِ جَرَيَانِهَا كَسَائِرِ أَقْوَالِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ] ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِ، فَيُمْكِنُ2 جَرَيَانُهَا عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ؛ فَلَا يُوثَقُ بِهَا.
وَأَمَّا أَفْعَالُهُ، فَإِذَا جَرَتْ عَلَى خِلَافِ أَفْعَالِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعَلَمِ؛ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا وَلَا جَعْلُهَا أُسْوَةً فِي جُمْلَةِ أَعْمَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَكَذَلِكَ إِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِهِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَائِدٌ3 عَلَى صَاحِبَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ بِجَوَارِحِهِ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي قَوْلِهِ، وَالْمُخَالِفُ بِقَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ بِجَوَارِحِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَسْتَمِدُّ مِنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ4 قَلْبِيٍّ.
هَذَا بَيَانُ عَدَمِ صِحَّةِ الْفُتْيَا منه على الجملة.