الموافقات (صفحة 2536)

التَّنَازُعِ وَالْمُشَاحَّةِ وَالْأَخْذِ بِالْحُظُوظِ الْخَاصَّةِ، وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الطَّوَارِئِ الْعَارِضَةِ، وَكَأَنَّهُمْ وَاقِفُونَ لِلنَّاسِ فِي اجْتِهَادِهِمْ عَلَى خَطِّ الْفَصْلِ بَيْنَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَمَا حَرَّمَ، حَتَّى لَا يَتَجَاوَزُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ إِلَى مَا حَرَّمَ، فَهُمْ يُحَقِّقُونَ لِلنَّاسِ مَنَاطَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ الْخَاصَّةِ، حِينَ صَارَ التَّشَاحُّ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى مُقَارَبَةِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ، فَهُمْ يَزَعُونَهُمْ عَنْ [مُقَارَبَتِهِ وَيَمْنَعُونَهُمْ عَنْ] مُدَاخَلَةِ الْحِمَى، وَإِذَا زَلَّ أَحَدُهُمْ يُبَيِّنُ لَهُ الطَّرِيقُ1 الْمُوَصِّلُ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ فِي كُلِّ جُزْئِيَّةٍ آخِذِينَ بِحُجَزِهِمْ2 تَارَةً بِالشِّدَّةِ3، وَتَارَةً بِاللِّينِ4 فَهَذَا النَّمَطُ هُوَ كَانَ مَجَالَ اجْتِهَادِ الْفُقَهَاءِ، وَإِيَّاهُ تَحَرَّوْا.

وَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ أُصُولِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِعْلًا وَتَرْكًا، فَلَمْ يُفَصِّلُوا الْقَوْلَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى التَّفْصِيلِ، بَلِ الْإِنْسَانُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ الْعَمَلِ فِيهِ؛ فَوَكَلُوهُ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ وَاجْتِهَادِهِ؛ إِذْ كَيْفَ مَا فَعَلَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَنَهْيِهِ، وَقَدْ تَشْتَبِهُ فِيهِ أُمُورٌ وَلَكِنْ بِحَسَبِ قُرْبِهَا مِنَ الْحَدِّ الْفَاصِلِ؛ فَتَكَلُّمُ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَهُوَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ بُعْدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِّ أكثر كان اعراقه فِي مُقْتَضَى الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ أَكْثَرَ.

وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَوْصَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالِهِ تَبَيَّنَ لَكَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ، وَبَوْنُ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَا يؤثر من شيم الصحابة واتصافهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015