الموافقات (صفحة 2375)

وَأَمَّا الْكُلِّيَّةُ؛ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ دَاخِلًا تَحْتَ قَانُونٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ؛ اعْتِقَادًا، وَقَوْلًا، وَعَمَلًا؛ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ كَالْبَهِيمَةِ الْمُسَيَّبَةِ حَتَّى يَرْتَاضَ بِلِجَامِ الشَّرْعِ، وَمَتَّى خَيَّرْنَا الْمُقَلِّدِينَ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ؛ لِيَنْتَقُوا مِنْهَا أَطْيَبَهَا عِنْدَهُمْ لَمْ يبقَ لَهُمْ مَرْجِعٌ إِلَّا اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَقْصِدِ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ؛ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ عَلَى حَالٍ، وَانْظُرْ فِي الْكِتَابِ "الْمُسْتَظْهِرِيِّ" لِلْغَزَالِيِّ؛ فَثَبَتَ2 أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى [كَوْنِ] 3 وُجُودِ الْخِلَافِ فِيهَا أَصْلًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ مَقْصُودًا مِنَ الشَّارِعِ، بَلْ ذَلِكَ الْخِلَافُ رَاجِعٌ إِلَى أَنْظَارِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنَ الِابْتِلَاءِ، وَصَحَّ أَنَّ نَفْيَ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّرِيعَةِ وَذَمَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا؛ إِذْ لَوْ صَحَّ فِيهَا وَضْعُ فَرْعٍ وَاحِدٍ عَلَى قَصْدِ الِاخْتِلَافِ لَصَحَّ فِيهَا4 وُجُودُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ اخْتِلَافٌ مَا صَحَّ كُلُّ الِاخْتِلَافِ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ؛ فَمَا أَدَّى إليه مثله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015