لِلْعَامِّيِّ اتِّبَاعُ الْمُفْتِيَيْنِ مَعًا وَلَا أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَرْجِيحٍ1.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ2: "إِذَا تَعَارَضَا عَلَيْهِ تَخَيَّرَ" غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بِجَوَازِ تَعَارُضِ الدليلين في نفس الأمر وقد مر فِيهِ آنِفًا.
وَالثَّانِي: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ فَائِدَةَ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ إِخْرَاجَ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ نَقْضٌ لِذَلِكَ الْأَصْلِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَعَلَى مَصْلَحَةٍ كُلِّيَّةٍ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا الْجُزْئِيَّةُ، فَمَا يُعْرِبُ عَنْهَا دليل كل حكم وحكمته،