فَصْلٌ:
وَقَدْ يَغْلِبُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ وَمُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ:
فَيَرِدُ التَّخْوِيفُ وَيَتَّسِعُ مَجَالُهُ1، لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ التَّرْجِيَةِ، كَمَا فِي سُورَةِ الأنعام؛ فإنها جاءت مقررة للحق2، وَمُنْكِرَةً عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَاخْتَرَعَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَا لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَصَدَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَأَنْكَرَ مَا لَا يُنْكَرُ، وَلَدَّ3 فِيهِ وَخَاصَمَ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي تَأْكِيدَ التَّخْوِيفِ، وَإِطَالَةَ التَّأْنِيبِ وَالتَّعْنِيفِ؛ فَكَثُرَتْ مُقَدِّمَاتُهُ وَلَوَاحِقُهُ، وَلَمْ يخلُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ طَرَفِ التَّرْجِيَةِ لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ مَدْعُوُّونَ إِلَى الْحَقِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الدُّعَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَزِيدُ تَكْرَارٍ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا، وَمَوَاطِنُ الِاغْتِرَارِ يُطْلَبُ فِيهَا التَّخْوِيفُ أَكْثَرَ مِنْ طَلَبِ التَّرْجِيَةِ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ آكَدُ.
وَتَرِدُ التَّرْجِيَةُ أَيْضًا وَيَتَّسِعُ مَجَالُهَا، وَذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ الْقُنُوطِ وَمَظِنَّتِهِ4؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الْآيَةَ [الزُّمَرِ: 53] ؛ فَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا؛ فَأَتَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: إن الذي تقول