الموافقات (صفحة 1869)

بِنَاءً عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ فِي الْأَحْكَامِ، تَفَضُّلًا كَمَا اخْتَرْنَاهُ، أَوْ لُزُومًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي عَدَمِ إِصَابَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَمْثِلَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَلَوْ كَانَ هَذَا الْفَاعِلُ1 وَهَذَا الْحَاكِمُ مَأْمُورًا بِمَا أَخْطَأَ فِيهِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ، لَكَانَ الْأَمْرُ بِتَلَافِيهِ إِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرٍ وَأَمْرٍ، وَإِذْنٍ وَإِذْنٍ؛ إِذِ الْجَمِيعُ ابْتِدَائِيٌّ؛ فَالتَّلَافِي بَعْدَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ شَيْءٌ لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنًى، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ.

فَإِنِ الْتَزَمَ أَحَدٌ هَذَا الرَّأْيَ، وَجَرَى2 عَلَى التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ، وَرَشَّحَهُ بِأَنَّ الْحَرَجَ مَوْضُوعٌ فِي التَّكَالِيفِ وَإِصَابَةِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَرَجٌ3 أَوْ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا4 يُسْتَطَاعُ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ بِمَا يَظُنُّهُ صَوَابًا، وَقَدْ ظَنَّهُ كَذَلِكَ؛ فَلْيَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ، وَالتَّلَافِي بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ بِخِطَابٍ جَدِيدٍ؛ فَهَذَا الرَّأْيُ جَارٍ عَلَى الظَّاهِرِ لَا عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ مَرَّ لَهُ تَقْرِيرٌ فِي فَصْلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ عَرَضَتْ5؛ لَكَانَ الْأَوْلَى تَرَكُ الْكَلَامِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تكاد ينبني عليها فقه معتبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015