وبينهما فرق؛ فالتفسير الواقع هنا نظير بيان الَّذِي1 سِيقَ عَقِبَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِيُبَيِّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ، وَالَّذِي لِلْأُصُولِيِّينَ نَظِيرُ2 الْبَيَانِ الَّذِي سِيقَ عُقَيْبَ الْحَقِيقَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازُ؛ كَقَوْلِكَ: رَأَيْتُ أَسَدًا يَفْتَرِسُ الْأَبْطَالَ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَيَكُونُ تَأْصِيلُ أَهْلِ الْأُصُولِ كُلُّهُ بَاطِلًا، أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا؛ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَطَأً، وَالْأُمَّةُ3 لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْخَطَأِ، وَإِنْ كَانَ صَوَابًا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إِجْمَاعُهُمْ؛ فَكُلُّ مَا يُعَارِضُهُ خَطَأٌ، فَإِذًا كَلُّ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ خَطَأٌ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ أَوَّلًا غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى شَرْطِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ؛ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِبْطَالُ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا اعْتَبَرُوا صِيَغَ الْعُمُومِ بِحَسَبِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْوَضْعِ الْإِفْرَادِيِّ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَالَةَ الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالِيِّ، حَتَّى إِذَا أَخَذُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأَحْكَامِ؛ رَجَعُوا إِلَى اعْتِبَارِهِ: كُلٌّ عَلَى اعْتِبَارٍ رَآهُ، أَوْ تَأْوِيلٍ ارْتَضَاهُ؛ فَالَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنِ اعْتِبَارِهِمُ الصِّيَغَ فِي الِاسْتِعْمَالِ، بِلَا4 خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؛ إِلَّا مَا يَفْهَمُ عَنْهُمْ مَنْ لَا يُحِيطُ عِلْمًا بِمَقَاصِدِهِمْ، وَلَا يُجَوِّدُ مَحْصُولَ كَلَامِهِمْ، وبالله التوفيق.