الموافقات (صفحة 1857)

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَلَا تَخْصِيصَ فِي مَحْصُولِ الْحُكْمِ لَا لَفْظًا وَلَا قَصْدًا1، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مُجَازٌ أَيْضًا2 لِحُصُولِ الْفَرْقِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ قَوْلِكَ: "مَا رَأَيْتُ أَسَدًا يَفْتَرِسُ الْأَبْطَالَ"، وَقَوْلِكَ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا شُجَاعًا"، وَأَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ، وَالثَّانِيَ حَقِيقَةٌ، وَالرُّجُوعُ فِي هَذَا إِلَيْهِمْ، لَا إِلَى مَا يُصَوِّرُهُ الْعَقْلُ3 فِي مَنَاحِي الْكَلَامِ.

وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالْمُنْفَصِلِ؛ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ أَيْضًا رَاجِعٌ إِلَى بَيَانِ الْمَقْصُودِ فِي عُمُومِ الصِّيَغِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي رَأْسِ الْمَسْأَلَةِ، لَا أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ التَّخْصِيصِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْأُصُولِيُّونَ.

فَإِنْ قِيلَ: وَهَكَذَا يَقُولُ الْأُصُولِيُّونَ: إِنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ الْمَقْصُودِ بِالصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ؛ فَإِنَّهُ رَفْعٌ لِتَوَهُّمِ دُخُولِ الْمَخْصُوصِ تَحْتَ عُمُومِ الصِّيغَةِ فِي فَهْمِ السَّامِعِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ الدُّخُولُ تَحْتَهَا، وَإِلَّا كَانَ التَّخْصِيصُ نَسْخًا فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّخْصِيصِ بِالْمُنْفَصِلِ وَالتَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ عَلَى مَا فَسَّرْتَ؛ فَكَيْفَ تُفَرِّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرْتَ وَبَيْنَ مَا يَذْكُرُهُ الْأُصُولِيُّونَ؟

فَالْجَوَابُ: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا رَاجِعٌ إِلَى بَيَانِ وَضْعِ الصِّيَغِ الْعُمُومِيَّةِ فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ يَرْجِعُ إِلَى بَيَانِ خُرُوجِ الصِّيغَةِ عَنْ وَضْعِهَا مِنَ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ؛ فَنَحْنُ بَيَّنَّا أَنَّهُ بَيَانٌ لِوَضْعِ اللَّفْظِ، وَهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ بَيَانٌ لخروج اللفظ عن وضعه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015