ثُمَّ أَخْبَارُ الْآحَادِ هِيَ عُمْدَةُ الشَّرِيعَةِ، وَهَى أَكْثَرُ الْأَدِلَّةِ، وَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْأَسَانِيدِ ضَعْفٌ؛ حَتَّى إِنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا حُجَّةً أَمْ لَا، وَإِذَا كَانَتْ حُجَّةً؛ فَلَهَا شُرُوطٌ أَيْضًا إِنِ اخْتَلَّتْ لَمْ تَعْمَلْ أَوِ اخْتُلِفَ فِي إِعْمَالِهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُقْتَنَصُ1 مِنْهُ الْأَحْكَامُ "الْمَفْهُومُ"، وَكُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَلَا مَسْأَلَةَ تَتَفَرَّعُ عَنْهُ مُتَّفَقًا2 عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْقِيَاسِ أَتَى الْوَادِي بِطَمِّهِ3 عَلَى الْقُرَى بِسَبَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ أَوَّلًا، ثُمَّ فِي أَصْنَافِهِ، ثُمَّ فِي مَسَالِكِ عِلَلِهِ، ثُمَّ فِي شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ يَسْلَمَ عن4 خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ اعْتِرَاضًا، وَمَا أَبْعَدَ هَذَا مِنَ التَّخَلُّصِ حَتَّى يَصِيرَ مُقْتَضَاهُ حُكْمًا ظَاهِرًا جَلِيًّا.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ كُلَّ اسْتِدْلَالٍ شَرْعِيٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا شَرْعِيَّةٌ، وَفِيهَا مِنَ النَّظَرِ مَا فِيهَا.
وَمُقَدِّمَةٌ نَظَرِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَلَيْسَ كل مناط معلوما بالضرورة، وبل الْغَالِبُ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ؛ فَقَدْ صَارَ غَالِبُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ نَظَرِيَّةً، وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ الْمَسَائِلَ النَّظَرِيَّةَ الْعَقْلِيَّةَ لَا يُمْكِنُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَادَةً، وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَالنَّظَرِيَّةُ غَيْرُ الْعَقْلِيَّةِ الْمَحْضَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيهَا؛ فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ5 لَا دَلِيلَ فِيهِ، أَمَّا الْمُتَشَابِهُ بِحَسَبِ التَّفْسِيرِ المذكور