خِلَافَهُ وَيُصَدِّقُهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ امْتَنَعَ عَلَى الْعَقْلِ التَّصْدِيقُ ضَرُورَةً، وَقَدْ فَرَضْنَا وُرُودَ التَّكْلِيفِ الْمُنَافِي التَّصْدِيقَ، وَهُوَ مَعْنَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ بَاطِلٌ حَسَبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ.
وَالثَّالِثُ:
أَنَّ مَوْرِدَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْعَقْلُ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ قَطْعًا بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ؛ حَتَّى إِذَا فُقِدَ ارْتَفَعَ التَّكْلِيفُ رَأْسًا، وَعُدَّ فَاقِدُهُ كَالْبَهِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي اعْتِبَارِ تَصْدِيقِ1 الْعَقْلِ بِالْأَدِلَّةِ فِي لُزُومِ التَّكْلِيفِ، فَلَوْ جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ؛ لَكَانَ لُزُومُ التَّكْلِيفِ عَلَى الْعَاقِلِ أَشَدَّ2 مِنْ لُزُومِهِ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ؛ إِذْ لَا عَقْلَ لِهَؤُلَاءِ يُصَدِّقُ أَوْ لَا يُصَدِّقُ، بِخِلَافِ الْعَاقِلِ الَّذِي يَأْتِيهِ مَا لَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُهُ بِهِ، وَلَمَّا كَانَ التَّكْلِيفُ سَاقِطًا عَنْ هَؤُلَاءِ؛ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ سَاقِطًا عَنِ الْعُقَلَاءِ أَيْضًا، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِوَضْعِ الشَّرِيعَةِ؛ فَكَانَ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ بَاطِلًا.
وَالرَّابِعُ:
أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْكُفَّارُ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الشَّرِيعَةَ بِهِ3 لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْحِرْصِ عَلَى رَدِّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَانُوا يَفْتَرُونَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا؛ فَتَارَةً يَقُولُونَ: سَاحِرٌ، وَتَارَةً: مَجْنُونٌ، وَتَارَةً يُكَذِّبُونَهُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ: سِحْرٌ، وَشِعْرٌ، وَافْتِرَاءٌ، وَإِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بِشْرٌ، وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، بَلْ كَانَ أَوْلَى مَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا لَا يُعْقَلُ، أَوْ هُوَ مُخَالِفٌ للعقول، أو ما أشبه ذلك، فلما