الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُنَافِي قَضَايَا الْعُقُولِ1، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا 2:
أَنَّهَا لَوْ نَافَتْهَا؛ لَمْ تَكُنْ أَدِلَّةً لِلْعِبَادِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، لَكِنَّهَا أَدِلَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ؛ فَدَلَّ [عَلَى] 3 أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى قَضَايَا الْعُقُولِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ إِنَّمَا نُصِبَتْ فِي الشَّرِيعَةِ لِتَتَلَقَّاهَا عُقُولُ الْمُكَلَّفِينَ؛ حَتَّى يَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهَا مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، وَلَوْ نَافَتْهَا؛ لَمْ تَتَلَقَّهَا فَضْلًا [عَنْ] 4 أَنْ تَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهَا، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهَا خَارِجَةً5 عَنْ حُكْمِ الْأَدِلَّةِ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْأَدِلَّةُ الْمَنْصُوبَةُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْإِلَهِيَّةِ وَعَلَى الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ.
وَالثَّانِي 6:
أَنَّهَا لَوْ نَافَتْهَا؛ لَكَانَ التَّكْلِيفُ بِمُقْتَضَاهَا تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّكْلِيفِ بِتَصْدِيقِ مَا لَا يُصَدِّقُهُ الْعَقْلُ وَلَا يَتَصَوَّرُهُ، بل يتصور