الموافقات (صفحة 1399)

وَالْجُزْئِيُّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيِّ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاتِ الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ؛ فَإِنَّ1 الْإِنْسَانَ مَثَلًا يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيَوَانِيَّةِ بِالذَّاتِ، وَهِيَ التَّحَرُّكُ بِالْإِرَادَةِ، وَقَدْ يَفْقِدُ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ مَانِعٍ غَيْرِهِ؛ فَالْكُلِّيُّ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَكَوْنُ جُزْئِيٍّ مِنْ جزئياته مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ جَرَيَانِ حَقِيقَةِ الْكُلِّيِّ فِيهِ أَمْرٌ خَارِجٌ، وَلَكِنَّ الطَّبِيبَ إِنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْكُلِّيِّ بِحَسَبِ جَرَيَانِهِ فِي الْجُزْئِيِّ أَوْ عَدَمِ جَرَيَانِهِ، وَيَنْظُرُ2 فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ يَرُدُّهُ إِلَى الْكُلِّيِّ بِالطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي لِذَلِكَ فَكَمَا3 لَا يَسْتَقِلُّ الطَّبِيبُ بِالنَّظَرِ فِي الْكُلِّيِّ دُونَ النَّظَرِ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَبِيبٌ، وَكَذَلِكَ4 بِالْعَكْسِ؛ فَالشَّارِعُ هُوَ الطَّبِيبُ الْأَعْظَمُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي الْعَسَلِ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً لِلنَّاسِ، وَتَبَيَّنَ لِلْأَطِبَّاءِ5 أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ عِلَلٍ كَثِيرَةٍ وَأَنَّ فِيهِ أَيْضًا ضَرَرًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، حَصَلَ هَذَا بِالتَّجْرِبَةِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ؛ فَقَيَّدَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَتْهُ التَّجْرِبَةُ، بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ ضَرُورِيَّةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَهِيَ امْتِنَاعُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الشَّرِيعَةِ خَبَرٌ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ، مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي أَنَّهُ شِفَاءٌ فَقَطْ؛ فَأَعْمَلُوا الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ، وَحَكَمُوا6 بِهَا عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَاعْتَبَرُوا الْجُزْئِيَّ7 أَيْضًا فِي غير الموضع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015