وَهُوَ أَكْثَرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ فِي الْفَتَرَاتِ1 قَدْ كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى تِلْكَ الْأَشْيَاءِ2 بِمُقْتَضَى أَنْظَارِ عُقُولِهِمْ، لكن على وجه لم يتجهوا بِهِ إِلَى الْعَدْلِ فِي الْخَلْقِ وَالْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمْ، بل كان مع ذلك الهرج واقعًا، والمصلح تُفَوِّتُ مَصْلَحَةً أُخْرَى، وَتَهْدِمُ قَاعِدَةً أُخْرَى أَوْ قواعد؛ فجاء الشارع بِاعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ وَالنَّصَفَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ حِينٍ [وَفِي كُلِّ حَالٍ] ، وَبَيَّنَ مِنَ الْمَصَالِحِ مَا يَطَّرِدُ وَمَا يُعَارِضُهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا فِي اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا وَنَحْوِهِ، فَلَوْ أَعْرَضَ عَنِ الْجُزْئِيَّاتِ بِإِطْلَاقٍ؛ لَدَخَلَتْ مَفَاسِدُ وَلَفَاتَتْ مَصَالِحُ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ؛ لِأَنَّهَا يَخْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَلَّمَا تَخْلُو جُزْئِيَّةٌ مِنَ اعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ فِيهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَهَا قَدْ يُعَارِضُ بَعْضًا فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ حَسَبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ التَّرْجِيحِ، وَالنُّصُوصُ وَالْأَقْيِسَةُ الْمُعْتَبَرَةُ تَتَضَمَّنُ3 هَذَا عَلَى الْكَمَالِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ خُصُوصِ الْجُزْئِيَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ كُلِّيَّاتِهَا، وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ مُنْتَهَى4 نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ بِإِطْلَاقٍ، وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي طَلَقُهُمْ5 فِي مَرَامِي الِاجْتِهَادِ.
وَمَا قُرِّرَ فِي السُّؤَالِ عَلَى الْجُمْلَةِ صَحِيحٌ؛ إِذِ الْكُلِّيُّ لَا ينخرم بجزئي ما،