المسألة الثامنة:
التكاليف إذا علم قصد المصحلة فِيهَا؛ فَلِلْمُكَلَّفِ فِي الدُّخُولِ تَحْتَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا:
أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَا فَهِمَ مِنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي شَرْعِهَا؛ فَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَلِّيَهُ مِنْ قَصْدِ التَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ الْعِبَادِ إِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ التَّعَبُّدِ؛ إِذْ لَيْسَتْ بِعَقْلِيَّةٍ، حَسَبَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ1، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِمَقْصُودِ التَّعَبُّدِ، فَإِذَا اعْتُبِرَ صَارَ أَمْكَنَ فِي التَّحَقُّقِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَأَبْعَدَ عَنْ أَخْذِ الْعَادِيَّاتِ لِلْمُكَلَّفِ؛ فَكَمْ مِمَّنْ فَهِمَ الْمَصْلَحَةَ فَلَمْ يَلْوِ عَلَى غَيْرِهَا؛ فَغَابَ عَنْ أَمْرِ الْآمِرِ بِهَا؟ وَهِيَ غَفْلَةٌ تُفَوِّتُ خَيْرَاتٍ كَثِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يُهْمِلِ التَّعَبُّدَ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ الْمَصَالِحَ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى انْحِصَارِهَا فِيمَا ظَهَرَ، إِلَّا دَلِيلٌ نَاصٌّ عَلَى الْحَصْرِ، وَمَا أَقَلَّهُ إِذَا نُظِرَ فِي مَسْلَكِ الْعِلَّةِ النَّصِّيِّ2؛ إِذْ يَقِلُّ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: "لَمْ أَشْرَعْ هذا الحكم إلا لهذا الْحِكَمِ"3، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَصْرُ، أَوْ ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ مَا وَلَمْ يَطَّرِدْ؛ كَانَ قَصْدُ تِلْكَ الْحِكْمَةِ رُبَّمَا أَسْقَطَ مَا هُوَ مَقْصُودٌ أَيْضًا مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، فَنَقَصَ عَنْ كَمَالِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي:
أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَا عَسَى أَنْ يَقْصِدَهُ الشَّارِعُ، مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَوْ لم