فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ إِلَيْهِمَا؛ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَفَرَةٌ فَسَقَةٌ -لِأَنَّ الدَّيْلَمَ كَانُوا رَوَافِضَ- لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَطَأَ بِسَاطَهُمْ، وَلَيْسَ غَرَضُ الْمَلِكِ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَجْلِسَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَصْحَابِ الْمَحَابِرِ كُلِّهِمْ، وَلَوْ كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ لَنَهَضْتُ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الطَّيِّبِ: فَقُلْتُ لَهُمْ: كَذَا قَالَ1 الْمُحَاسِبِيُّ وَفُلَانٌ وَمَنْ فِي عَصْرِهِمْ: "إِنَّ الْمَأْمُونَ فَاسِقٌ لَا نَحْضُرُ2 مَجْلِسَهُ"؛ حَتَّى سَاقَ3 أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ إِلَى طَرَسُوسَ وَجَرَى عَلَيْهِ4 مَا عُرِفَ، وَلَوْ نَاظَرُوهُ لَكَفُّوهُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ، وَأَنْتَ أَيْضًا أَيُّهَا الشَّيْخُ تَسْلُكُ سَبِيلَهُمْ؛ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مَا جَرَى عَلَى أَحْمَدَ، وَيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَهَا أَنَا خَارِجٌ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: "إِذْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ لِهَذَا؛ فَاخْرُجْ" إِلَى آخِرِ الْحِكَايَةِ.
فَمِثْلُ هَذَا إِذَا اتَّفَقَ يُلْغِي5 فِي جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ مَا يَقَعُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَفَاسِدِ؛ فَلَا يَكُونُ لَهَا اعْتِبَارٌ6، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي يَعُودُ اعْتِبَارُهَا عَلَى الْكُلِّيِّ بِالْإِخْلَالِ وَالْفَسَادِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.