الْإِذْنَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِذْنٌ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْإِضْرَارَ، وَكَيْفَ1 وَمِنْ شَأْنِ الشَّارِعِ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ الْجَالِبُ أَوِ الدَّافِعُ الْإِضْرَارَ أَثِمَ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مَا فَعَلَ؛ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدِ الْإِضْرَارَ، بَلْ عَنِ الْإِضْرَارِ نَهَى، وَهُوَ الْإِضْرَارُ بِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْمِلْكِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُضْطَرِّ؛ فَهِيَ شَاهِدٌ لَنَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّعَامِ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ حَاجَةً يَضُرُّ بِهِ عَدَمُهَا، وَإِلَّا فَلَوْ فَرَضْتَهُ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ إِكْرَاهُهُ، وَهُوَ عَيْنُ مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ عَلَى الْبَذْلِ مَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ فَافْهَمْهُ، وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ؛ فَإِنَّهُ خَاطِئٌ بِاحْتِكَارِهِ، مُرْتَكِبٌ لِلنَّهْيِ، مُضِرٌّ بِالنَّاسِ؛ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ إِضْرَارَهُ بِالنَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَضِرُّ هُوَ بِهِ.
وَأَيْضًا؛ فَهُوَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ عَلَى الْخَاصَّةِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ اعْتِبَارِ الْحُظُوظِ.
وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهَا؛ فَيُتَصَوَّرُ هُنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا:
إِسْقَاطُ الِاسْتِبْدَادِ وَالدُّخُولُ فِي الْمُوَاسَاةِ عَلَى سَوَاءٍ، وَهُوَ مَحْمُودٌ جدًا، قد فُعِلَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" 2، وَذَلِكَ أَنَّ مُسْقِطَ الْحَظِّ هُنَا قَدْ رَأَى غَيْرَهُ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ [هُوَ] 3 أَخُوهُ أَوِ ابْنُهُ أَوْ قَرِيبُهُ أَوْ يَتِيمُهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّنْ طُلِبَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ نَدْبًا أَوْ وجوبًا.