وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا قَبْلُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُشْكِلُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ أَنْ "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" 1، وَمَا تَقَدَّمَ وَاقِعٌ فِيهِ الضَّرَرُ؛ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِمُقْتَضَى هَذَا الْأَصْلِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إِكْرَاهُ صَاحِبِ الطَّعَامِ عَلَى إِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ، إِمَّا بَعِوَضٍ وَإِمَّا مَجَّانًا، مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ أُخِذَ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا لما كان إمساكه مؤيدا2 إِلَى إِضْرَارِ الْمُضْطَرِّ، وَكَذَلِكَ إِخْرَاجُ الْإِمَامِ الطَّعَامَ مِنْ يَدِ مُحْتَكِرِهِ قَهْرًا؛ لَمَّا صَارَ مَنْعُهُ مُؤَدِّيًا2 لِإِضْرَارِ الْغَيْرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ3.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِضْرَارَ الْغَيْرِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ لِمُجَرَّدِ جَلْبِ الْجَالِبِ وَدَفْعِ الدَّافِعِ، وَكَوْنُهُ يَلْزَمُ عَنْهُ إِضْرَارٌ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مُقْتَضَى الْإِذْنِ.
وَأَيْضًا؛ فَقَدْ تَعَارَضَ4 هُنَالِكَ إِضْرَارَانِ: إِضْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ وَالْمِلْكِ، [وَإِضْرَارُ مَنْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ، وَالْمَعْلُومُ مِنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ صَاحِبِ الْيَدِ وَالْمِلْكِ] 5، وَلَا يُخَالَفُ فِي هَذَا عِنْدَ المزاحمة على الحقوق، والحاصل أن