الموافقات (صفحة 1188)

ومن هذا الموضع يقول كثير م الْعُلَمَاءِ: "إِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ بِإِطْلَاقٍ"1، عُلِمَتْ مَفْسَدَةُ النَّهْيِ أَمْ لَا، انْتَفَى السَّبَبُ الَّذِي لأجله نهي عن العمل أولا، وُقُوفًا مَعَ نَهْيِ النَّاهِي لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَالِانْتِهَاءُ هُوَ الْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ فِي النَّهْيِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ، فَالْعَمَلُ بَاطِلٌ بِإِطْلَاقٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ لَا يَخْلُو عَنِ التَّعَبُّدِ، وَإِذَا لَمْ يَخْلُ، فَهُوَ مِمَّا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ كَالطَّهَارَاتِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

إِلَّا أَنَّ التَّكَالِيفَ الَّتِي فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ مِنْهَا مَا يَصِحُّ بِدُونِ نِيَّةٍ، وَهِيَ الَّتِي فَهِمْنَا مِنَ الشَّارِعِ فِيهَا تَغْلِيبَ جَانِبِ الْعَبْدِ، كَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَذَلِكَ مَا فَهِمْنَا فِيهِ تَغْلِيبَ حَقِّ اللَّهِ؛ كَالزَّكَاةِ وَالذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ، وَالَّتِي تَصِحُّ بِدُونِ نِيَّةٍ إِذَا فُعِلت بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَهَا بِنِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَهِيَ نِيَّةُ التَّعَبُّدِ، أُثِيبَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ التُّرُوكُ إِذَا تُرِكت بِنِيَّةٍ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ حُقُوقًا لِلْعِبَادِ خاصة ولم يكن لله فيها حَقٌّ، [لَمَا] 2 حَصَلَ الثَّوَابُ فِيهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ فِيهَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا طَاعَةً مِنْ حَيْثُ هِيَ مُكْتَسَبَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، وَالْمَأْمُورُ بِهِ مُتَقَرَّبٌ إِلَى اللَّهِ بِهِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ مِنْ حَيْثُ هِيَ طَاعَةٌ لِلَّهِ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى نِيَّةٍ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ حَيْثُ هي طاعة مفتقرة إلى نية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015