الموافقات (صفحة 104)

وشجُع الْقَلْبُ الْجَبَانُ، وَجَاءَ الْحَقُّ فَوَصَلَ أَسْبَابَهُ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ فَبَانَ، فَأَوْرَدَ مِنْ أَحَادِيثِهِ الصِّحَاحِ الْحِسَانِ1، وَفَوَائِدِهِ الْغَرِيبَةِ الْبُرْهَانِ، وَبَدَائِعِهِ الْبَاهِرَةِ لِلْأَذْهَانِ؛ مَا يَعْجِزُ عَنْ تَفْصِيلِ بَعْضِ أَسْرَارِهِ الْعَقْلُ، وَيَقْصُرُ عَنْ بَثِّ مِعْشَارِهِ اللِّسَانُ، إِيرَادًا يُمَيِّزُ الْمَشْهُورَ مِنَ الشَّاذِّ، وَيُحَقِّقُ مَرَاتِبَ الْعَوَامِّ وَالْخَوَاصِّ وَالْجَمَاهِيرِ وَالْأَفْذَاذِ، ويُوفي حُقَّ الْمُقَلِّدِ وَالْمُجْتَهِدِ وَالسَّالِكِ وَالْمُرَبِّي وَالتِّلْمِيذِ وَالْأُسْتَاذِ، عَلَى مَقَادِيرِهِمْ فِي الْغَبَاوَةِ وَالذَّكَاءِ وَالتَّوَانِي وَالِاجْتِهَادِ وَالْقُصُورِ وَالنَّفَاذِ، وَيُنْزِلُ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ حَيْثُ حَلَّ، ويُبصره فِي مَقَامِهِ الْخَاصِّ بِهِ بِمَا دقَّ وجلَّ، وَيَحْمِلُهُ فِيهِ عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ مَجَالُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِدَالِ، وَيَأْخُذُ بِالْمُخْتَلِفِينَ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ بَيْنَ الِاسْتِصْعَادِ وَالِاسْتِنْزَالِ؛ لِيَخْرُجُوا مِنِ انْحِرَافَيِ التَّشَدُّدِ وَالِانْحِلَالِ، وَطَرَفَيِ التَّنَاقُضِ والمُحال؛ فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا يَجِبُ لِجَلَالِهِ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى جَمِيلِ إِنْعَامِهِ وَجَزِيلِ إِفْضَالِهِ.

وَلَمَّا بَدَا مِنْ2 مَكْنُونِ السِّرِّ مَا بَدَا وَوَفَّقَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ وَهَدَى, لَمْ أَزَلْ أُقَيِّدُ مِنْ أَوَابِدِهِ، وَأَضُمُّ مِنْ شَوَارِدِهِ تَفَاصِيلَ وجُملا، وَأَسُوقُ مِنْ شَوَاهِدِهِ فِي مَصَادِرِ الحُكم وَمَوَارِدِهِ مُبَيِّنًا لَا مُجْمِلًا، مُعْتَمِدًا عَلَى الِاسْتِقْرَاءَاتِ الْكُلِّيَّةِ، غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى الْأَفْرَادِ الْجُزْئِيَّةِ، وَمُبَيِّنًا أُصُولَهَا النَّقْلِيَّةَ بِأَطْرَافٍ مِنَ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ، حَسْبَمَا أَعْطَتْهُ الِاسْتِطَاعَةُ وَالْمِنَّةُ، فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَظْمِ تِلْكَ الْفَرَائِدِ، وَجَمْعِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ، إِلَى تَرَاجِمَ تَرُدُّهَا إِلَى أُصُولِهَا، وَتَكُونُ عَوْنًا عَلَى تَعَقُّلِهَا وَتَحْصِيلِهَا؛ فَانْضَمَّتْ إِلَى تَرَاجِمِ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ، وَانْتَظَمَتْ فِي أَسْلَاكِهَا السَّنِية الْبَهِيَّةِ؛ فَصَارَ كتابا منحصرا في خمسة أقسام3:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015