طَمَعًا فِي إِدْرَاكِ بَاطِنِهِ الْمَرْقُومِ، مَعَانِيَ1 مَرْتُوقَةٍ فِي فَتْقِ تِلْكَ الرُّسُومِ2؛ فَإِنَّهُ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تُصغي إِلَى مَنْ وَافَقَ هَوَاكَ هَوَاهُ، وَأَنْ تُطارح الشَّجَى مَنْ مَلَكه -مِثْلَكَ- شَجَاهُ، وَتَعُودَ -إذْ شاركْتَه فِي جَوَاهُ- مَحَلَّ نَجْوَاهُ؛ حَتَّى يَبُثَّ إِلَيْكَ شَكْوَاهُ، لِتَجْرِيَ مَعَهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ حَيْثُ جَرَى، وَتَسْرِيَ فِي غَبَشِهِ الْمُمْتَزِجِ ضَوْءُهُ بِالظُّلْمَةِ كَمَا سَرَى، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ تَحْمَدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَاقِبَةَ السُّرَى.
فَلَقَدْ قَطَعَ فِي طَلَبِ هَذَا الْمَقْصُودِ مهامِهَ فِيحا، وَكَابَدَ مِنْ طَوَارِقِ طَرِيقِهِ حَسَنًا وَقَبِيحًا، وَلَاقَى مِنْ وُجُوهِهِ الْمُعْتَرِضَةِ جَهْما وصَبِيحا، وَعَانَى مِنْ رَاكِبَتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ مَانِعًا وَمُبِيحًا3، فَإِنْ شِئْتَ أَلْفَيْتَهُ لِتَعَبِ السَّيْرِ طَلِيحا4، أَوْ لِمَا حَالَفَ مِنَ الْعَنَاءِ طَرِيحًا، أَوْ لِمُحَارَبَةِ الْعَوَارِضِ الصَّادَّةِ جَرِيحًا؛ فَلَا عَيْشَ هَنِيئًا، وَلَا مَوْتَ مُرِيحًا.
وجُملة الْأَمْرِ فِي التَّحْقِيقِ: أَنَّ أَدْهَى مَا يَلْقَاهُ السَّالِكُ لِلطَّرِيقِ فَقْدُ الدَّلِيلِ، مَعَ ذِهْنٍ لِعَدَمِ نُورِ الْفَرْقَانِ كَلِيلٍ، وَقَلْبٍ بِصَدَمَاتِ الْأَضْغَاثِ5 عَلِيلٍ؛ فَيَمْشِي عَلَى غَيْرِ سَبِيلٍ، وَيَنْتَمِي إِلَى غَيْرِ قَبِيلٍ، إِلَى أَنْ مَنَّ الرَّبُّ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، الْهَادِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؛ فبُعثت لَهُ أَرْوَاحُ تِلْكَ الْجُسُومِ، وَظَهَرَتْ حَقَائِقُ تِلْكَ الرُّسُومِ، وَبَدَتْ مُسَمَّيَاتُ تِلْكَ الْوُسُومِ؛ فَلَاحَ فِي أَكْنَافِهَا الْحَقُّ وَاسْتَبَانَ، وَتَجَلَّى مِنْ تَحْتِ سَحَابِهَا شَمْسُ الْفُرْقَانِ وَبَانَ، وَقَوِيَتِ النفس الضعيفة