عبد الله، الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ المُسْداة، والرحمةُ الْمُهْدَاةُ، والحكمةُ الْبَالِغَةُ الأميَّة، وَالنُّخْبَةُ الطَّاهِرَةُ الْهَاشِمِيَّةُ، أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْعَرَبِيَّ الْمُبِينَ، الْفَارِقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَوَضَعَ بَيَانَهُ الشَّافِيَ وَإِيضَاحَهُ الْكَافِيَ فِي كفِّه، وطيَّبه بِطِيبِ ثَنَائِهِ وعرَّفه بعَرْفه1؛ إِذْ جَعَلَ أَخْلَاقَهُ وَشَمَائِلَهُ جُمْلَةَ نَعْتِهِ، وَكُلِّيَّ وَصْفِهِ، فَصَارَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مبيِّنا بِقَوْلِهِ وَإِقْرَارِهِ وَفِعْلِهِ وَكَفِّهِ؛ فوضُح النَّهَارُ لِذِي عَيْنَيْنِ، وتبيَّن الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ شَمْسًا مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ وَلَا غَيْن2.
فَنَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَالْحَمْدُ نِعْمَةٌ مِنْهُ مُسْتَفَادَةٌ، وَنَشْكُرُ لَهُ وَالشُّكْرُ أَوَّلُ الزِّيَادَةِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، خَالِقُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وباسطُ الرِّزْقِ لِلْمُطِيعِينَ وَالْعَاصِينَ، بَسْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ، وَالْفَضْلُ وَالِامْتِنَانُ، جَارِيًا عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذَّارِيَاتِ: 56-58] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] .
كُلُّ ذَلِكَ لِيَتَفَرَّغُوا لِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ الَّتِي عُرضت عَلَيْهِمْ عَرْضًا، فَلَمَّا تحمَّلوها عَلَى حُكْمِ الْجَزَاءِ؛ حُمِّلوها فَرْضًا، وَيَا لَيْتَهُمُ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِشْفَاقِ وَالْإِبَايَةِ، وتأمَّلوا فِي الْبِدَايَةِ خَطَرَ النِّهَايَةِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ خطرها على بال، كما خطر للسموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ3؛ فَلِذَلِكَ سُمِّي الْإِنْسَانُ ظَلُومًا جَهُولًا، وكان أمر