ومعنى هذا البيت من معانيه اللطيفة المشهورة، قوله: «لأعجاز الزمان» أراد بالأعجاز أواخر الزمان، وهذا لفظ وإن كان معناه صحيحاً، فإنه لا يكاد يستعمل بأن يقال: إذا عجز الزمان كذا وكذا، وإنما يقال: إذا كان في آخر الزمان، وإنما قال: أعجاز الزمان، من أجل قوله: «تلهو بعاجل حسنها»، فأراد أن يطابق بين عاجل وآجل، فلم يستو له آجل الزمان، فجعل مكانه أعجاز الزمان، ولو قال: أغبار الزمان، وغبر الزمان: باقي الزمان، كان أحسن من أعجاز الزمان، لأن غابر الأيام لفظ مستعمل حسن، فإذا وقع في موقع المستعمل ما هو في معناه وليس بمستعمل في ذلك قبح وهجن، ولكن ليست لأبي تمام عناية باللفظ كعنايته بالمعاني، فهو إذا جاءه المعنى أورده بأي لفظ استوى له، والبحتري عنايته مصروفة إلى تخير الألفاظ كما يتخير المعاني وذلك قوله:
بمنقوشة نقش الدنانير يبتغي ... لها اللفظ مختاراً كما ينتقى التبر
وقوله:
مرصوفة باللآلي من نوادرها ... مسبوكة اللفظ والمعنى من الذهب
وقال أبو تمام:
إليك أرحنا عازب الشعر بعدما ... تمهل في روض المعاني العجائب
غرائب لاقت في فنائك أنسها ... من المجد فهي الآن غير غرائب
ولو كان يفنى الشعر أفنته ما قرت ... حياضك منه في العصور الذواهب