لقد علمنا في المبحث الأول أن إدراك العلوم على ضربين:
التصوُّر وهو: إدراك المفردات، والتصديق وهو: إدراك النسبة بين
تلك المفردات.
وعلمنا - أيضاً - أن كلًّا منهما ينقسم إلى أوَّلي، ومطلوب.
إذا علمت ذلك فاعلم أن المطلوب، وهو الذي لا يعرف إلا
بطلب وبحث ونظر من التصوُّر لا يمكن أن يعرف ويفهم إلا بالحد.
وكذا المطلوب من التصديق لا يمكن أن يفهم إلا بالبرهان.
فالحد والبرهان هما الالة التي بها تفهم وتدرك سائر العلوم
المطلوبة.
فمثال التصوُّر: أن يسمع الإنسان اسما لا يفهم معناه، كمن
قال: " ما العقار؟ "، فتقول له: هو الخمر، فإن لم يفهمه باسمه
يفهم بحده، فيقال له: " الخمر هو: شراب معتصر من العنب
مسكر "، فيحصل بذلك علم تصوري بذات الخمر.
ومثال التصديق: أن يجهل الإنسان أن للعالم صانعا، فيقول:
هل للعالم صانع؛ فتقول له: نعم للعالَم صانع، وتُبيِّن ذلك
بالحُجة والبرهان والأدلة التي لا تقبل الشك.
ولذلك كان لا بد من بيان الحد وما يتعلق به، والبرهان وما يتعلق
به في المباحث التالية.