وأما الضرب الثاني وهو التصديق فهو: علم نسبة المفردات
بعضها إلى بعض بالنفي، أو الإثبات، فمثال نسبة مفرد إلى مفرد
آخر بالنفي قولك: " الجسم ليس بمتحرك "، و " العالم ليس
بحادث ".
ومثال نسبة مفرد إلى مفرد آخر بالإثبات قولك: " الجسم متحرك "
وقولك: " العالم حادث " و " زيد كاتب ".
وهذا يمكن أن يتطرق إليه التصديق والتكذيب؛ لأن فيه نسبة شيء
إلى شيء آخر، وهذا لا يكون إلا من مفردين، فيكون الأول وصفا
والآخر موصوفاً، فإذا نسب الوصف إلى الموصوف بإثبات أو نفي،
كأن تقول: " العالم حادث "، و " الجسم متحرك "، أو تقول:
"العالم ليس بحادث "، فإن هذا قابل للصدق والكذب.
أي: أن هذه النسبة قد تكون صحيحة، فيكون صادقا، وقد
تكون غير صحيحة فيكون كاذبا.
والتصديق هو: إدراك نسبة حكمية بين الحقائق بالإيجاب أو النفي.
وهذه تسمية أهل المنطق، لذلك عرَّفه ابن رشد بأنه: " العلم بأن
الشيء موجود أو غير موجود ".
وسمي تصديقاً؛ لأن فيه حكماً قد يصدق فيه، أو يكذب.
فإن قلت: لماذا سموه بالتصديق مع احتمال الكذب؟
قلت: سمي بأشرف لازمي الحكم في النسبة.
ويسميه النحاة: " جملة ".
وكل علم يتطرق إليه التصديق، فمن ضرورته ولازمه أن يتقدم
عليه معرفتان: