تلك العلوم، فمن أراد أن يتعلم تلك المباحث فليتعلمها من تلك
العلوم، دون الرجوع إلى علم أصول الفقه، وبهذا لو جرد الذي
ينفرد به أصول الفقه ما كان إلا شيئاً يسيراً جداً، فتصير فائدة أصول
الفقه قليلة جداً بعكس ما كنت قد صورته لنا من أن له فوائد كثيرة.
جوابها:
أجيب عنها بأنه لا ينكر أن علم أصول الفقه قد استمد من تلك
العلوم التي ذكرتموها.
ولكن اهتم الأصوليون بتلك المباحث ودرسوها دراسة تختلف عن
دراستها لو أخذت من تلك العلوم مباشرة، فقد دقق الأصوليون في
فهم أشياء لم يصل إليها المتخصصون بتلك العلوم.
فمثلاً: توصل الأصوليون إلى فهم أشياء من كلام العرب لم
يصل إليها النحاة ولا اللغويون، فالنظر في كلام العرب متشعب،
فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة، واشتقاقاتها، دون
المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي المتعمق بالعلوم الشرعية
وقواعده، فلقد توصل الأصوليون إلى أحكام في الاستثناء، لم
يتوصل إليها النحاة في كتبهم،
كذلك صيغة " افعل " أو صيغة "لا تفعل "،
ودلالة الأولى على الوجوب، ودلالة الثانية على التحريم،
وغير ذلك من الاستعمالات لو بحثت عن ذلك في كتب
اللغة لم تجد شيئاً من ذلك.
فالأصوليون يبحثون فيما أخذوه من تلك العلوم - وهي علم اللغة
والنحو، وأصو ل الدين، والقرآن، والسُّنَّة، والفقه، والجدل -