الدليل الخامس قالوا فيه: إن النسخ والتخفيف والحط بمعنى
واحد، فلو قال قائل: " خففت عليك ولكن إلى شيء هو أثقل ":
كان تناقضا، فكذلك إذا قال: " نسخت إلى ما هو أثقل ".
جوابه:
يجاب عنه: بأنا لا نُسَلِّمُ ذلك، فإن النسخ ليس بمعنى التخفيف
والحط في اللغة، بل النسخ لغة: هو الرفع والإزالة.
***
المسألة الثامنة عشرة: إذا بلغ الناسخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبلغ بعض الأمَّة، فهل يثبت في حق من لم يبلغهم ذلك الناسخ؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يكون نسخا في حق من لم يبلغه، أي:
أن الحكم الأول لم يرتفع في حق من لم يبلغه الناسخ، ولا يلزمه
العمل بالناسخ، فلا يأثم إذا لم يعمل به.
هذا هو ظاهر كلام الإمام أحمد، واختاره أكثر الحنفية،
والمعتزلة، ورجحه إمام الحرمين، والغزالي، والآمدي، وابن
الحاجب، والقاضي أبو يعلى الحنبلي، وغيرهم.
وهو الصحيح؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: ما رواه ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - أنه قال:
"بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آتٍ، فقال: إن رسول
الله قد أنزل عليه الليلة، وقدْ أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها،
وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ".
وجه الاستدلال: أن أهل قباء قد اعتدوا بما مضى من صلاة