مصلحة، والنهي عنه يدل على قبحه وكونه مفسدة، فإذا أمر بالحج
في رمضان - مثلاً - دلَّ ذلك على حسن الحج وكونه مصلحة للعباد،
فإذا نهى عن إيقاع الحج وقال في أول شهر ذي الحجة: "لا تحجوا"
دلَّ ذلك على قبح الحج وكونه مفسدة، والفعل الواحد في حالة
واحدة لا يكون مصلحة مفسدة بالإضافة إلى شخص واحد.
فنتج أن نسخ الشيء قبل التمكن من فعله يفضي إلى أن يكون
الشيء الواحد على وجه واحد مأموراً به ومنهيا عنه، حسنا قبيحا،
مصلحة مفسدة، وهذا هو التناقض.
جوابه:
يجاب عنه: بأنه لا يمتنع أن يكون الأمر بالفعل يدل على حسنه
بشرط: أن لا ينهى عنه، والنهي عنه يدل على قبحه بشرط: أن لا
يؤمر به، فيجوز أن يجعل بقاء حكمه واستمراره شرطا في الأمر
فيقول الشارع: "افعل ما أمرناك به إن لم يأت نهي يزيل أمرنا عنك ".
اعتراض على ذلك:
اعترض بعضهم على هذا الجواب بقوله: إن اللَّه تعالى إذا علم أنه
سينهى عنه، فما معنى أمره بالشرط الذي يعلم انتفاءه قطعة فيما
بعد، أي: ما الفائدة من أمره به وهو عالم بأنه سينسخه؟
جوابه:
يجاب عنه: بأن فائدة ذلك: امتحان وابتلاء المأمور، فإن عزم
على الفعل، واشتغل بالاستعداد لامتثال الأمر فإنه يثاب، أما إن لم
يعزم على الفعل، ولم يشتغل بالاستعداد للامتثال فإنه يعاقب،
وهذا من حكم النسخ التي ذكرناها فيما سبق.