الجواب الأول: أن قلب عنق ولد إبراهيم - عليه السلام - حديداً
لو حصل ووقع لنقل إلينا نقلاً متواتراً، ولاشتهر؛ لكونه من
المعجزات العظيمة، لكنه لم ينقل نقلاً متواتراً، ولا آحاداً، فما
زعمتموه يحتاج إلى دليل.
الجواب الثاني: أنه إن كان هذا الاعتراض صادراً من بعض المعتزلة
فإنه متناقض مع قولهم: " لا يجوز تكليف ما لا يطاق "؛ حيث إن
الله إذا علم أنه سيقلب عنقه حديداً يكون الشارع قد أمر بما يعلم
امتناع وقوعه، وهذا تكليف ما لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق لا
يجوز.
كذلك ثبت عند المعتزلة أن الشارع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة
للمكلَّف، ولا يجوز عندهم أن يمنع الشارع المكلَّف ما فيه مصلحة،
والكلام الوارد في هذا الاعتراض مناقض لهذه القاعدة عندهم.
الاعتراض الخامس: لا نُسَلِّمُ أن إبراهيم - عليه السلانم - قد أمر
بالذبح، وإنما أخبر أنه سيؤمر في المستقبل يدل على ذلك قوله تعالى
- حكاية عن الابن -: (يا أبت افعل ما تؤمر) ، فلفظ " تؤمر "
هو للاستقبال، فلو كان قد أمر بالماضي لقال: " افعل ما أمرت به "
ولكنه لم يقل ذلك؛ بل عبر بلفظ يدل على الاستقبال.
جوابه:
يجاب عنه: بأن الله سبحانه قد أمر إبراهيم - عليه السلام - في
الماضي، وحصل الأمر ثم نسخ قبل التمكن من فعله، فالمراد من
قوله تعالى: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) : افعل ما أمرت به في السابق،
والتعبير باللفظ الدال على الاستقبال والمراد به الماضي اقد وقع في
الكتاب، وكلام العرب، فمن أمثلة وقوعه في الكتاب قوله تعالى: